فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





ميثم كاظم عبدالحسين - 11/06/2016م - 2:40 ص | عدد القراء: 1866




قال الله تعالى في كتابه الحكيم (ِإِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

عندما بلغني خبر وفاة الشيخ الآصفي رضوان الله تعالى عليه، قرأت هذه الآية، ثم طبّقتها عليه وقلت إن محمد مهدي الآصفي كان أمّة قانتا لله، بمعنى أنّه كان جامعا للفضائل.

كان سماحة الشيخ جامعاً لكل الفضائل المتفرقة، فإذا أردنا أن نتحدث عن الشيخ الآصفي فمن أي جانب نبدأ؟!

 

قال سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني فيه أربع جمل مختصرة شاملة:

- "كان نموذجا للعامل العامل" فهناك عالم ولكن غير عامل، والشيخ رحمه الله تعالى عالم عامل، عمل بعلمه.

- "الزاهد في الدنيا" هذه الكلمة أيضا لآية الله العظمى الشيخ إسحاق الفياض، قال إن الشيخ محمد مهدي الآصفي ليس له نظير، خصوصاً في هذا الزمان، ومن الصعوبة تجد إنساناً يعيش بهذا الزهد، وهذه الكلمة كررها السيد محمد رضا ابن السيد علي السيستاني.. قال الشيخ الآصفي ليس له نظير، فلا يمكنكم أن تجدوا شخص بمثل الشيخ الآصفي في مثل هذا الزمان.

- "الراغب في الآخرة" فعلاً الشيخ كل حياته للآخرة.

- "المتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار" .

 

عرفت الشيخ الآصفي منذ عام 1973م عندما أتى إلى جامع النقي في الكويت، حتى غادرها في 1979م إلى الجمهورية الإسلامية، ثم أجتمعت معه في عام 1990م، وكان أكثر من 24 سنة وأنا أعمل مع الشيخ الآصفي في مؤسسة الإمام الباقر عليه السلام لرعاية الفقراء والأيتام.

سوف لن أتكلم عن علم الشيخ ولا عن زهد الشيخ، لكنني سأتكلم عن الذي رأيته من الشيخ..

لقد رأيته الشيخ الإنسان..

كان إنساناً بمعنى الكلمة..

كان يقول - وحتى السيد محمد رضا السيستاني  قال أنا سمعتها منه أكثر من مرة - : أنا لا أعوّل يوم القيامة لا على كتاب ولا على محاضرة، وإذا كان لدي عمل أعوّل عليه يوم القيامة هو كفالة الأيتام والفقراء، كانت حياته كلها للفقراء، كان يبكي إذا رأى الفقير أو اليتيم، وحتى إذا كان لديه ملك خاص به يبيعه.

وكنت أقول له: نحن لا يمكننا أن نرعى كل الأيتام أو كل الفقراء، فميزانيتنا محدودة، فإذا جائنا أحد الفقراء أو الأيتام نقول له لا يوجد لدينا، إرجع...

كان يقول: لا تغلقوا الباب على اليتيم والفقير حتى لا يغلق الله تعالى باب رحمته عليكم، اتركوا الباب دائما مفتوح.

ووصل الأمر به إلى درجة أن الوالد الحاج كاظم عبد الحسين اشترى له سيارة، وعندما أتى يوماً له الأيتام والفقراء ولم يكن لديه ما ينفق عليهم، باع السيارة..

واشتروا له سيارة ثانية، وقالوا له أنها ليست ملكك بل هي وقف لا يجوز التصرف بها، ثم بعد ذلك سألناه أين السيارة، قال هناك أيتام وفقراء أولى منّي بالسيارة، فبعتها وأنا أعلم أنكم ترضون.. وكان يقضي أعماله بالمشي.. فالأيتام في حياته لهم الأولوية.

كان يقول: أن الإمام علي عليه السلام عندما استلم زمام الأمور وزّع كل شيء، هذا والي على مدينة وذاك مسؤول عن كذا.. إلا مهمة واحدة فلم يعطها سلام الله عليه لأحد حتى للحسنان صلوات الله تعالى عليهم أجمعين، فكان بنفسه يرعى الأيتام، وهذا دليل على عظمة هذا العمل، والذي كان يقوم الإمام به بنفسه وأولاده الطاهرين من بعده والذين كانوا يقومون بنفس العمل..

 

فعلا كان الشيخ الآصفي أمّة.. 

كان يقول لي يا حاج إذهب إلى (كويتة) وهي على الحدود بين أفغانستان وباكستان، لأن هناك أيتام يجب أن نرعاهم هناك..

فذهبنا قبل 15 سنة، فكيف علم بهم، ولعل أحد ما أخبره.. فذهبنا ووجدنا أيتاما، وهذا رؤيا العين أنقلها لكم اخواني، غرف طين، كلهم مسلمين شيعة ونصفهم سادة من نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كان يغطي الأرض منهم فهو يغطّيها بـ (الكرتون) وهم قلّة، والباقي يفترشون التراب.. وفعلا كانو أيتاماً وفقراء، حمل همّهم الشيخ رحمه الله تعالى، فصار لهم راتبا وحصة تموينية منذ 15 سنة ولحد الآن ببركته...

وقد سافر بنفسه إلى أفغانستان، ويقول أحد مرافقيه أنه كنّا نوزّع الطحين، وعندما يرى الفقراء والأيتام يجلس بينهم ويبكي، وكان يوزّع بنفسه..

 

كان همّه الأيتام والفقراء..

هذا الشيخ كان إنساناً بمعنى الكلمة، لذلك يضحي بكل شيء..

 

وقد نقل الوالد والذي سمعته مراراً منه: أنك تدخل بيته فترى بناته وقد كانو صغاراً لباسهم رثّ وتقول له شيخنا أنت زاهد ولكن لا يفترض أن تفرض زهدك على بناتك، كان يقول صحيح، لكن أنا بيتي قبلة للأيتام والفقراء، فإذا أتاني يتيم أو فقير ولا يوجد عندي ما أعطيه إياه، فعلى الأقل يرى بناتي، وأنا أشاركهم بهذا، فلا يمكن أن تلبس بناتي على حساب الفقراء والأيتام..

وقد انعكس هذا الهمّ على حياته، وما كان يأخذ شيء لنفسه قط.

كان يتصل بي الحاج أبو ذر الربيعي ويقول أن الشيخ يعيش على الدَّين، فهل تدري؟! فأقول له: نعم، أدري.. يقول أنه كان يقترض من عندنا حتى يصرف على البيت..

وكان لا يأخذ راتباً لا من الحوزة، ولا من الذين عمل معهم من الكبار، ما كان يأخذ منهم شيء قط لنفسه، وكان ناذراً كل حياته للفقراء والأيتام، وعاش كل حياته لهم..

وحتى في وصيته، وأهم شيء كان في وصيته، أن مؤسسة الإمام الباقر عليه السلام تستمر برعاية الأيتام، وهو الآن فقط في العراق مسؤول عن خمسة آلاف عائلة، في كل العراق، وهو في النجف الأشرف، لكن هو بنفسه يذهب إلى الأهوار وبنفسه يذهب إلى البصرة، عنده موظفين 6-7 يلف بهم كل العراق، فهو لا يبحث عن الراحة في العمل.

وقبل فترة اشترى والدي بطانيات، فقلت له شيخنا قد خصصنا لك عدد من البطانيات للفقراء، فقال نأخذهم إلى الأهوار، لأنهم أكثر حاجة لها، وتقول له شيخنا لدينا ذبيحة، فيقول لا تسلموني ذبيحة وتخصصونها للفقراء في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، اجعلوها عامة، لأن هناك مناطق فقيرة، فهو في عمله لا يبحث عن الراحة، بل يبحث عن العناء، وكان بنفسه يذهب ويتفقد العوائل بالاضافة إلى الأخوة العاملين معه..

فهذا الهم الذي كان يعيشه..

وفي الجمهورية الإسلامية كان يتكفل بالأيتام ويقول عنهم: هؤلاء الأيتام الفقراء الغرباء، الأفغانيين والعراقيين، فهو يتيم وفقير وغريب في بلد الغربة، وكان يتكفل بآلاف الأسر في الجمهورية الإسلامية من العوائل الأفغانية ولحد الآن في مؤسسة الإمام الباقر عليه السلام الذي كان هو مؤسسها وراعيها.

وفي العراق خمسة آلاف عائلة من الأيتام والفقراء هو بنفسه يقصدهم، ولا زال لحد الآن تصل إليهم المساعدات، والوصية التي أوصى بها أن تستمر هذه المؤسسة وترعى الأيتام وطلب المزيد في تطويرها وزيادة العوائل، وجعل ثلاث أوصياء يديرون هذا العمل، الحاج أبوذر الربيعي مسؤول المؤسسة في قم المقدسة والحاج أبومعتز عبدالكريم وهو من القدماء مع سماحة الشيخ ويدير المؤسسة في النجف الأشرف، وخادمكم ثالثاً لرعاية المؤسسة وإدارتها..

وعندما تقرأ وصيته فترى أن الشيخ لا يملك شيئاً من الدنيا، وحتى بيته الذي في قم المقدسة فقد اشتراه والدي له..

خرج من الدنيا، وقد رأيتم الصورة، ترك ثوبين.. فبيت النجف تدخله وهو 60 متراً، وليس له بل راجع لـ مكتب سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي، وكله 60 متر، والذي دخله يعرفه.. والفراش الذي كان ينام عليه لو كنت تعطيه لفقير يرفضه، وكان السيد حيدر العنكوشي [أحد مرافقيه] يقول له: شيخنا ما هذه الغرفة [الصغيرة] وهذا الفراش... فكان يجيبه: يا سيد حيدر، القبر أضيق وأظلم... فيكفينا هذا.

أمّا طعامه، فأنا رأيته بعيني، كان كسرة خبز يابس مع (روبة) .

وهذا ثوب الشيخ الذي تشاهدون، ثوبان، دشداشة ممزقة، كان يلبسها تحت الجبّة، وكان السيد حيدر يقول له: ما يصير هكذا شيخنا، فيقول له: هذه لا يراها أحد..

حتى البشتة لم تكن له، وقد أعطاها إياه الشهيد السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله تعالى عليه.

فلم يكن يملك الشيخ شيئا أبداً من الدنيا، والوصية تبيّن أنه لم يكن لديه شيء ليوصي به، وكل الوصية 34 بنداً، هذا لفلان، وذاك للآخر، وأعاد كل شيء إلى أصله.

أوصى بكتبه وتراثه أن توزع وتوقف وقفاً، وأوصى عن المؤسسة أن تستمر لرعاية الأيتام، أمّا لنفسه لم يكن هناك شيء يوصيه لعياله أو بناته..

ويحير الإنسان في أي مجال يتكلم عن الشيخ الآصفي، لذلك المرجو حقيقة أن تكتب سيرته وتدرّس، وقد قالو ذلك في مؤتمر التكريم الذي انعقد قبل مدة وأوصى العلماء أن تكتب سيرته وتدرّس لطلبة العلوم بالدرجة الأولى، ويتخذونه قدوة في حياتهم، وأول تكريم له عند الله عزوجل أنّه جاور نبيين هود وصالح عليهما السلام ودفن في جوارهما، بالإضافة إلى جوار أميرالمؤمنين عليه السلام، وهذا القبر أيضاً أحد ممن يملكون الأرض هناك خصصه له.

نرجو من الله عزوجل أن نقتدي بالشيخ الآصفي، وحقيقة هو مدرسة لنا، نسأل الله تعالى أن نسير على نهجه وسيرته، ونهجه وسيرته هو نهج وسيرة الائمة عليهم السلام، كما أشار السيد السيستاني، المتمسّك بسنّة النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار.

جعلنا الله عزّوجل من المتمسكين إن شاء الله تعالى بسنة النبي وأهل بيته الطاهرين، والحمد لله رب العالمين وصلى الله عليه وآله أجمعين.



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: