فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





عبدالهادي عبدالحميد الصالح - 13/12/2015م - 11:12 ص | عدد القراء: 2008




في بداية السبعينيات دخل شاب مفرع بلا غترة ـ يبدو أنه في العشرينيات من العمر ـ ديوان مكتبة جامع النقي للاستماع كغيره من الحضور الذين جلهم من الشباب إلى محاضرات الشيخ علي الكوراني، يبدو أنه وجه جديد قادم للتو من الخارج في إجازته الصيفية حيث يدرس، لكنه لفت الانظار بلباقته وبجرأته الأدبية، وفي صراحته وقوة طرحه وعمق ثقافته، استمر هذا السمت معه حتى بين المراجع الدينية في الحوزات العلمية، عندما يذهب لزيارة العتبات المقدسة لأهل البيت النبوي عليهم السلام، حتى أن الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر يذكر حواراته فيبادر زواره من الكويت فيسأل عن أحوال الدكتور ناصر صرخوه..

وهكذا رأيته في زيارتنا معاً لسماحة آية الله السيد السيستاني قبل فترة قريبة، هذه الملكة أهلته لأن يصر عليه جماعة الشباب في جامع النقي فيقدمونه مع أخويه عبدالمحسن جمال وسيد عدنان عبدالصمد، لتدشين ولوجهم لأول مرة إلى ساحة العمل السياسي عبر عضوية مجلس الامة، بعد التشبع من تنظيرات الليالي الشتوية داخل مخيم الغدير القديم على ناصية الكيلو 15 في طريق الوفرة اللزق، وبعد مناقشات أرصفة شارع الخليج تحت أنوار الشبات في الليالي الصيفية بعد محاضرات جامع النقي، وأثناء إعداد عبدالله الصايغ ـ بالقرب منهم ـ الدندرمة المثلجة اللذيذة!

حينها فاجأوا هؤلاء الشباب الناس والإعلام بعدم ارتدائهم للبشت، في جلسة افتتاح مجلس 1981 حتى أسماهم الكاتب المرحوم محمد مساعد الصالح بـ «اللابشتيون» ! ولم يسلموا حتى من لوم شياب المسجد! في اجتهاد منهم لتوصيل رسالة مفادها أنهم جاءوا خداماً وليسوا وجهاء! وضعوا أرواحهم على أكفهم ولم يأبهوا بتهديد طاغية العراق الدموي صدام حسين، الذي كان فرعون عصره يسوم المعارضين له سوء العذاب! عندما وقفوا ضده في مشروع القرض العراقي، محذرين من انقلابه على البلاد كالحية الرقطاء!

يزيدهم صلابة وثقة عدم انفرادهم بالرأي والموقف إلا بعد تمحيصه بالتشاور والمناقشة مع جمع من اخوانهم المؤمنين.

 جرأة ناصر صرخوه في مواجهة من يرى أنهم تجاوزوا القانون والمصالح الوطنية، لم تكن جرأة التهور واإفتراس، بل جرأة مصدرها التقوى ومخافة الله تعالى، لذلك لم يأبه لمغريات المناصب أو يجري وراء فرص استباحة الأموال العامة والخاصة، يتورع حتى في الشبهة والمظنة.

عندما يختلف مع أحدهم، يصر وقت الصلاة على أن يقدمه إماماً للجماعة كرسالة ود ومحبة، وأن الاختلاف لا يعني بالضرورة انتهاكاً للعدالة الواجبة.

دوماً أراه مبتسماً، سريعاً في إلتقاط القفشات الضاحكة، مستبشراً بالوعد الالهي بنصر الأمة على أعدائها.

وإن كنت اشعر بأنه بلغ به الزهد لدرجة أنه توارى كثيراً وراء بريق الإعلام، وطالما وجه إليه اللوم في هذا الإبتعاد، لكن كان يكفيه تواصله الاجتماعي مع الناس، وحضوره السياسي مع النخب، وبحوثه العلمية مع العلماء.. كل ذلك بلا انقطاع.

فكان وداعه الأخير لأحبته وزملائه، في الليلة الأخيرة في ديوانية الأكاديميين، مؤكدا لهم أنه معهم صفا واحداً على الحق حتى آخر رمق!

وفي الصباح التالي والأخير له في مختبره العلمي بالجامعة، تجرع هذا الرمق، عندما لبى نداء الحق واقفاً مطمئناً..

إنا لله وإنا إليه راجعون



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: