فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





فؤاد عاشور - 10/07/2010م - 1:25 ص | عدد القراء: 2016


عظم الله تعالى للأمة الأجر وألهمها الصبر بهذا المصاب الجلل، وهناك لحظات.. الألم يتكلم والحزن يعبر والأسى يتفاعل والمشاعر تتحدث.. الصمت الدامع في لحظة الوداع أسمى كلمة وأبلغ تعبير .

كنت ضمن الوفد الذي ركب السحاب وقطع الأخطار وغامر في حب الأولياء ليقف الوفاء أمام صمتك الناطق المعبر في لحظات فلم الزحف المليوني أبلغ من مليون محاضرة إنه الوفاء الوارف والحب العاصف للرجل العارف.

بالأمس رأينا وعشنا وشاهدنا أبلغ محاضراتك وأنت مسجى في مسجد السبطين الإمامين الحسنيين عليهما السلام، وقفنا أمام جثمانك المسجى لنستمع إلى كلماتك الخالدة ولا أقول الأخيرة يابن علي ويا أبا علي.. وفيلم أحداثك في سني الصمود يمر سريعاً على مخيلتنا لتقول لقد كنت شهيداً حياً، لأي حكمة عاش ربع قرن بعد الإنفجار الكبير المدوي بمجزرة بئر العبد التي راح ضحيتها ثمانون شهيداً ومئتان وستون جريحاً وانهدام الأبنية والسيارات، لقد كانت مجزة انتقامية كبيرة وكنت الهدف ولكن الله تعالى أبى إلا أن تعيش لتعيش الأمة وتعيش لترى انهزام الظالم والظلمة، وها أنت اليوم تترجل وقد رأيت انتصار تموز ورأيت هزيمتهم في العراق وفي فلسطين وسترى من عليين تحرير القدس التي طالما عاشت في قلبك وكانت همك الأكبر إلى لحظاتك الأخيرة.

في سنة 1985 كنت في الضاحية التي قاومت وصمدت فيها، كانت محطة عروجك يا سيدي.. المرأة التي أخرتك في مسألة ما كانت قدراً إلهياً لأن الأمة بحاجة إلى مسائلك وكلماتك ووقفاتك ومن 1985 إلى 2010 ، 25 سنة يعني ربع قرن (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا..) وليست أمريكا والصهيونية وغيرهم .

(الصدقة تدفع البلاء) وأي صدقة أعظم من كلمة هُدى ونور أليست أعظم من ورقة نقد تصرف في متاع زائل وهذا النور يقود إلى الحق وحينها قلت كلمتك الشهيرة:

(إنهم يخوفوننا بالموت، ونحن الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة)

السيد الفقيد طيب الله تعالى ثراه ومثواه يضيف رمزية كبيرة في محل دفنه لأنها قلعة الصود والتحدي بوجه الإستكبار العالمي بل هي بوابة الفتح القادمة، ولو راجعت الروايات لوجدت الشام أهم مرحلة في المثلث العراق الشام الحجاز.. وسترى الأحداث الكبيرة وامتدادها الزمني الكبير وتأثيرها العظيم لما يليها.. رؤيته بعيدة.

ونحن في لحظات وداعك في مسجد الحسنيين عليهما السلام.. يمر شريط الموت أمام أعيننا بصمت.. ويموت ابن آدم ويموت ذكره إلا ثلاث: صاحب صدقة جارية.. وصاحب علم ينتفع به.. ومن له ولد صالح من بعده، مشاريعك رأيناها وما سمعناه أكثر وهي ما زالت من بعدك لك أجر ومقام ومنزلة ودعوات مستجابات، وعلمك انتفعنا به منذ أن كنا شباباً نتداول كتبك وأشرطتك بأسلوبك المتميز وكلماتك النافذة إلى القلوب وعباراتك العصرية الجديدة، لقد كنت تخاطب بها جيلك وجيل الغد بلغة جديدة وأسلوب جديد وحركة جديدة.. وأما أولادك وتلامذتك الذين تخرجوا من مدرستك العلمية والعملية فهم يملؤون الساحات والجامعات.

كنت من جيل العمالقة الكبار والأعمدة الذين أثروا الساحة الإيمانية وأسسوا هذه الانتصارات التي نعيش فرحتها ونقطف ثمارها: الامام الراحل والشهيد الصدر والسيد العسكري والشهيد عباس والسيد موسى والشهيد صادق الصدر الذين خطوا بجهودهم وعلمهم وتقواهم وتضحياتهم .. يقول عنه الشهيد الصدر من خرج من النجف خسر النجف أما هو فقد خسرته النجف.

ولك في ساحات التقارب والألفة بين المسلمين وحتى بين أهل لا إله إلا الله من أهل الكتاب مساعي ولا أدل من تلك الوفود التي مثلت جميع الطوائف والمذاهب وهي تعزي بصمت وترسم صورة في رحيلك معبرة عما جهدت لأجله في حياتك وجاءت آية قرآنية رائعة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) .

وفي وصيته الأخيرة قال: الفتنة الشيعية السنية حرام حرام حرام.. ووقفة السيد حسن نصر الله أمام جثمانه الطاهر ولسان الحال والمقام يقول: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) .

والسيد نصر الله كالسيد فضل الله قال: إذا تجاوزنا الفتنة الشيعية السنية فإن المشروع الأمريكي لن يمر.

وينقل عن سماحة العلامة محسن الأمين من جاء ليتحول من المذهب السني إلى الشيعي فيقول له، قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله..

الإمام الحجة المهدي المنتظر أرواحنا له الفداء يأتي ليوحد المسلمين والبشرية تحت كلمة الشهادتين هاتين وليس للسني أو الشيعي !!

أما الذين تطاولوا عليك ياسيدي فلن يصلوا إلى سفحك، فضلاً عن قمتك !! وليقرؤا وصيتك ليجدوا قلباً شفافاً لا يحمل غلاً وبغضاً على أحد (وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) .

وبعد اعلان نبأ وفاته، لفت حزب الله في بيان له إلى أن لبنان والأمة الاسلامية والعالم بأسره فقد العلامة المجاهد آية الله سماحة السيد محمد حسين فضل الله.. العالم الاسلامي الكبير الذي ملأ الساحة بعلمه وجهاده ومواقفه وتربيته ومؤلفاته، وهو الذي وقف بكل جرأة ووضوح نصيراً للمقاومة ضد العدو الصهيوني وللمجاهدين الأبطال، حيث تشهد الساحة تحديه وتصديه للإحتلال وأفعاله الإجرامية، والأثمان التي دفعها نتيجة لمواقفه، وعبر عن رفضه لمؤامرات الإستكبار.. لقد كان من أبرز الداعين  إلى الوحدة الاسلامية محارباً التفرقة والفتنة، وعاش مع الناس في شؤونهم وشجونهم.

كما أضاف السيد نصر الله: علمنا في مدرسته أن نكون دعاة بالحكمة والموعظة الحسنة وأن نكون أهل الحوار مع الآخر وأن نكون الرافضين للظلم والمقاومين للإحتلال وعشاق لقاء مع الله تعالى من موقع اليقين، وأن نكون أهل الصبر والثبات والعزم مهما أحاطت بنا الشدائد والمصاعب والفتن، فكان لنا الأستاذ والمعلم والعلم والنور الذي نستضيء به في كل محنة.

في مسجد الإمامين السبطين الحسنيين عليهما السلام وأنت حفيدهما عاشا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طوال حياتهما، منه تخرجتم وفيه عشتم ومنه عرجتم (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ) .

عشت كبيراً ورحلت كبيراً يابن علي ويا أبا علي.. بعمامة علمه ولامة حربه كان في مقدمة الجبهات إلى نفسه الأخير..

اللهم بلغ أرواح المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وروح الفقيد ثواب الفاتحة مع الصلوات.



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: