فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





عبدالوهاب محمد الوزان - 03/05/2012م - 1:25 م | عدد القراء: 3260




استيقظ الشعب الكويتي صبيحة الثاني من أغسطس 1990م ليجد نفسه وقد دخل في نفق مظلم طويل، لم يخرج منه إلا صبيحة يوم 26 فبراير 1991م ، أي بعد مرور سبعة أشهر عجاف أنقضت تحت نير الإحتلال الصدامي التكريتي الغاشم، الذي تسلل إلى البلاد الآمنة تحت جناح الليل الدامس، وبينما كانت الناس نائمة مطمئنة لا تلوي على شيء، سيطرت القوات المعتدية على أنحاء الدولة خلال ساعات معدودة وبسرعة مذهلة، حيث أقفلت جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية، وبعد ذلك تقدمت قواته المجحفلة والتي تقدر بحوالي 150 ألف جندي نظامي وأغلبهم من الحرس الجمهوري باتجاه الحدود مع المملكة العربية السعودية وذلك بنية اجتياح دول الخليج كلها والاستيلاء على شبه الجزيرة العربية قاطبة لتحقيق الحلم الخبيث الذي كان يراوده ألا وهو قيام الامبراطورية الصدامية الأولى وتنصيب نفسه ملكا عليهاً، وبذلك يجعل تحت سيطرته مقدرات المنطقة الاقتصادية بما فيها احتياطات النفط، والمنافذ البرية والبحرية الاستراتيجية، ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته كان له ولجيشه المعتدي بالمرصاد حيث سخر عليهم القوى التي دمرت عدوانه الآثم، والطاغية صدام حسين عمل أكثر من غزو للكويت، لقد حاول أن يستأصلها من الخارطة السياسية حينما أعلن انها أصبحت المحافظة التاسعة عشرة، بل انه يحمل حقداً دفيناً ليس له مثيل تجاه الكويت، فقد أمر جيشه البعثي بسلب الممتلكات الخاصة والعامة وقتل العباد وهتك الأعراض وحرق وتدمير المؤسسات الأهلية والحكومية.

 

لقد خلق هذا العدوان الآثم معاناة مؤلمة لم تكن للشعب الكويتي فحسب، رغم أنه كان المتضرر الأكبر، ولكن للدول والشعوب الأخرى، خاصة شعوب العالم الثالث الفقيرة حيث تسبب هذه الأزمة في هجرة اكثر من مليون إنسان من البلدين مما أدى إلى زيادة أعباء الديون والبطالة في سائر تلك الدول حيث انخفضت العائدات التي كان يحولها العمال الأجانب إلى ذويهم، ولم يقف الأمر عند هذه الحد فقط، إنما تعداه إلى قيام الطاغية صدام بحملة شرسة غير انسانية تمثلت بخطف عشرة آلاف شخص كرهائن لاستخدامهم كدروع بشرية ضد أي هجمات جوية محتملة، وعلى مدى سبعة شهور بقي صدام على عناده وعجرفته ولم يعر أدنى اهتمام لصوت العقل والمنطق الوحشية، وكان يراهن على تحريض الشعوب بشعارات زائفة قومية تارة ، ودينية تارة أخرى وذلك للتأثير على الميزان الدولي لصالحه ويحقق بذلك حلمه الكبير (الامبراطورية الصدامية) ولكن كم كان خطأه فادحاً، فقد بدأت عاصفة الصحراء عند انتهاء المهلة المحددة للعراق بيوم واحد فقط أي بتاريخ 16 يناير 1991م حيث شنت قوات التحالف هجومها البري الذي دام 100 ساعة فقط تم بعدها دحر العدوان وتحرير الكويت وعودة الوطن إلى أهله.

 

لقد عاد الوطن، ورجعت الأرض، ولكن كان الثمن مؤلماً وباهظاً في نفس الوقت، مؤلماً لأننا فقدنا شهداء أبرار ضحوا بحياتهم من أجل الأرض، وأسرى ما زالوا في غياهب السجون الصدامية يأنون من شدة العذاب، ومفقودين لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى ما هو مصيرهم.

 

إن الحزن لشديد والجرح لعميق والمصيبة لعظيمة. لقد خلف المعتدي الصدامي وراءه مئات الآبار تحترق كمورد رئيسي للبلاد وسوف تستمر الكويت بدون مورد، ويظل النزف من الاحتياطات والاستثمارات الخارجية التي نراها تتلاشى إلى العدم يوماً بعد يوم دون أي حسيب او رقيب ذي شرعية دستورية كاملة.

 

لذلك علينا الآن وبلا تأخير من النظر بواقعية لدراسة هذه الأزمة التي مرت بها البلاد بشكل شامل لتشخيص الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الكارثة، وينبغي أن يكون ذلك بكل صراحة الرأي ورحابة الصدر، وبذلك يكون مدخلاً صادقاً وحقيقياً للولوج نحو وضع المعالجة الحقة في محاصرة الأضرار الناجمة عنها .

 

وإذا كنا في هذا المقال لسنا بصدد الدخول في تفاصيل ذلك الآن، فلا يمنع ذلك من أن نقرر بأن هاجس العدالة والانصاف بموضوعية دون أدنى تحيز هو الأصل التي تبنى عليه دعائم علاج المحنة ولعل أهم وأفضل ما يمثل ذلك بضماناته الأكيدة هو التمسك بالإسلام فكراً ومنهجاً، وتنمية روح التقوى والورع، وكذلك التمسك الحقيقي والفعال بتطبيق الدستور الكويتي 1962م نصاً وروحاً واحترام ما يحمل من مبادئ وأسس تم الاتفاق عليها بين الحاكم والمحكوم، والعمل والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية بين كافة أفراد الشعب، وبنبذ التفرقة الطائفية والقبائلية والأسرية.

 

فلا ينبغي علينا الاكتفاء برفع البيارق ولا بهتاف الحناجر وعزف الأوتار، بل لا بد من التخطيط الفعال، والمشاركة الجماعية لكل فئات الشعب في صنع القرار السياسي بمعيار الكفاءة وبعيداً عن المحسوبية حتى نستطيع اقامة مجتمع متكافل متراحم تسوده الوحدة الوطنية ليعود الوطن واحة للأمن والاستقرار والرفاهية الحقة متكلين في ذلك كله على الله سبحانه وتعالى.

 

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واحشرهم مع الصديقين والنبيين والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً. اللهم رد كل مفقود وفك قيد كل اسير وفرج عن كرباتهم وعن كربات ذويهم ومحبيهم.

 

اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه ، وما قصرنا عنه فبلغناه.



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: