فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





سيد أسد الموسوي - 03/05/2012م - 9:25 ص | عدد القراء: 2471


وهذه خاطرة من أخيه وصديقه السيد أسد الموسوي الذي رافق المرحوم أبومصعب في المرحلة الأولى من محاولة تجديد أسلوب نشاط جمعية الثقافة الاجتماعية وذلك في بداية السبعينيات ، وما كان فيها من منافسة بين جيلين قامت على مساعي الأول تأسيس الجمعية وتوطين أركانها في المجتمع الكويتي ، وسعى الآخر من أجل إضفاء منهجية جديدة في الأنشطة الثقافية والاجتماعية والدينية فماذا يقول السيد أسد :

 

معرفتي بالمرحوم محمد خضير حبيب بدأت في أوائل السبعينات ، حيث كانت الجمعية ـ جمعية الثقافة الاجتماعية ـ هي المحيط الذي جمعني به، فكنت في البداية أعرفه معرفة سطحية ، نتحاور ونتحدث في جلسات عامة عادية ، وكنت معجباً بأسلوبه في مناقشة القضايا المطروحة آنذاك، فقد كان مستمعاً جيداً يشعرك وهو يستمع إليك بأهمية رأيك حتى وإن لم يكن مطابقا أو موافقا لرأيه ، ثم يعرض رأيه دون الاستخفاف برأي الآخرين..

 

وكانت الجمعية في تلك الفترة تعيش مرحلة هامة ، وتتجاذبها تيارين أو خطين ، أحدهما له تطلعات وآمال ولكن دون خطوات حقيقية توصل لتلك التطلعات ، والخط الآخر لديه الخطط الواضحة مع كوادر نشطة تشعر من خلال العمل معها بأنها سوف تصل إلى الهدف المنشود.. ورغم الأغلبية المسيطرة على مجلس الإدارة الممثلة للخط الآخر الذي كان أكثر تنظيما وتصميما وتخطيطا، إلا أنه لم يكن من السهل تنفيذ وتطبيق كل ما يقرره مجلس الإدارة ، نظرا لعوائق كثيرة نتجت عن ترسبات سابقة تعود لسنوات سابقة ومنذ تأسيس الجمعية .. وليس هذا موضوع اهتمامنا بهذا المقال ..

 

وبعد انتخابي أمينا للسر ـ وبالإجماع ـ نظرا لعلاقتي الطيبة مع الطرفين الذي كان يربطني مع الأول علاقات وصداقات شخصية قديمة ، ومع الآخر قد تكون علاقاتي حديثة التكوين إلا أنها كانت عن اقتناع بأنه أكثر تأهيلا للوصول الى الهدف.. لهذا فإن كانت عواطفي وقلبي مع الطرف الأول إلا أن جهدي وعقلي كان مع الجانب الآخر..

 

هذه المقدمة كانت ضرورية للدخول من خلالها إلى دور وأهمية ما قام به الأخ أبومصعب خلال تلك الفترة..

بعد انتخابي أمينا للسر ، تم الاتفاق على انتخاب الأخ أبومصعب مديرا داخليا للجمعية.. وللوهلة الأولى شعرت ببعض القلق ، كوني لم أعمل معه من قبل فقد يختلف أسلوبه مع أسلوبي في العمل ـ الذي قد يغلب عليه الحزم وربما المركزية أحيانا - ولكن بعد مرور أسابيع انعكست الفكرة تماما ، فقد ظهرت لي جوانب من شخصية المرحوم لم أكن أعرفها من قبل..

قال لي مرة : أنا وأنت لن نختلف لأن هناك ما يجمع بيننا من تشابه في بعض الخصال..

وأهمها أننا نختلف في الرأي في موضوع معين اليوم ، ويتمسك كل منا بوجهة نظره ويدافع عنها بكل شدة وحزم حتى يشعر الآخرين بأن حبل المودة قد قطع بيننا ، ولكن هذا لم يحدث أبدا ، فقد كانت العلاقات الشخصية ، والاحترام والمحبة الصادقة هي السائدة ، أما الاختلاف بوجهات النظر فكانت وقتية .

 

في مرة كنت قاسيا في طرح وجهة نظري،  حتى شعرت بعد عودتي للمنزل بأني قد أكون سببت له ألماً شخصياً، وانتظرت حتى اليوم الثاني مساء، جلست بالقرب منه ، أبحث عن أي موضوع معه لأعرف مدى غضبه ، فوجدته كما كان دائماً ، هادئا متسامحا ، فانتهزت فرصة من خلال الحديث أعبر له عن اعتذاري فوجدته ساكتا ينظر إلى أمامه بكل هدوء ، ثم قال وبصوت مرتعش :

لم أكن أتصور أن ما حدث يستدعي منك الاعتذار لي يا سيد !!

وهنا تأكدت من سعة صدره وطيبته ..

 

كنت مرة أتحدث له عن سلبيات ـ وجود القداوة ( النرجيلة ) بالجمعية وأضرارها الصحية والاجتماعية وغيرها ، وكان الموضوع مجرد دردشة بيني وبينه ، أتبادل معه الهموم في بداية عملنا الجاد ، ولم أكن أقصد أي خطوة عملية لمعالجة الأمر ، إلا أني وفي اليوم التالي عصرا وجدته مبتسما وهو يستقبلني ويقول :

تم تكسير القداوة ، ولا تدخين للقداوة اعتبارا من اليوم..

وقد تفاجأت بتلك الخطوة التي جاءت قبل موعدها والتي لم أحبذها تماما ولكني قلت لنفسي : قد حصل ما حصل ، ولننتظر النتائج مساء..

وتعمدت التأخير حتى الساعة العاشرة مساء ، وحين دخلت الصالة المعتادة وجدت الجميع فرحين ومرتاحين ، لأن القداوة كانت جديدة وهذا دليل اهتمامي بالمدخنين !!  وانتظرت حتى جاء الأخ أبومصعب.. فلم ينتظر سؤالي..

وقال : وجدتك غير مرتاح لقرار التكسير ، فاشتريت بدلا عن المكسور ـ وطبعا من حسابه الخاص ـ

..بذكائه وحنكته وحسن تصرفه تغلب على تلك الورطة.

 

كان رحمه الله تعالى كتلة من الحيوية والنشاط ، جاهزا لتنفيذ أي قرار ، بل وكان يسبق القرار ، كما جاء في موضوع ـ إلغاء تدخين القداوة ـ ، بل وفي مرة كنت أيضا أتحدث معه عن عدم صلاحية ـ الفراش ـ ، وأنه أصبح يتدخل في أمور إدارية ، وبأنه يثير الفتنة أحيانا ، وهذا كان مجرد حديث بين أمين السر والمدير الداخلي فأفاجأ به في اليوم التالي يأتي ومعه اثنان ويقول :

اختار أحدهما ليعمل فراشا ، بدلا من الفراش الحالي ـ الغير مرغوب فيه ـ .

فشكرته وطلبت تأجيل الموضوع للوقت المناسب .

 

كان ـ رحمه الله تعالى ـ متعاونا لأقصى حد مخلصا في عمله يعمل بهدوء غير عابئ  بالأضواء أو بإظهار اسمه بأنه فعل كذا وكذا .. لقد بذل جهدا عظيما في متابعة تنفيذ مشروع إنشاء المقر الجديد في ميدان حولي ، ولولا جهوده ومتابعته الشخصية واليومية لتم التأجيل لسنوات.

 

كان ـ رحمه الله ـ إنسانا رقيقا ذو مشاعر نبيلة ، كان عملي كأمين سر للجمعية ، وكرئيس تحرير لمجلة ـ صوت الجمعية ـ يستدعي أحيانا التأخر بالجمعية حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي ، أقوم بالتحرير والطباعة ، فيبقى معي بالمكتب خشية أن أضجر من الوحدة ، ورغم إلحاحي عليه بالانصراف إلا أنه يرفض ويلح بالبقاء وإذا انصرف يعود بعد ساعة ومعه وجبة العشاء وهو يقول :

وجدتهم جميعا قد ناموا ، وأنا لا أحب أن أتناول العشاء بمفردي..

 

والدور الذي لن أنساه للأخ أبومصعب ـ رحمة الله عليه ـ هو دوره التنفيذي في عملية الانتقال من المقر القديم إلى المقر المؤقت بمنطقة المنصورية.. وهي المرحلة التي بدأ بعدها عمليا سيطرة الخط الآخر ـ الذي جاء ذكره في بداية هذا المقال ـ ، وهو الخط الذي كان أكثر تنظيما ونشاطا وذو هدف محدد في تربية النشىء تربية إسلامية خالصة ، وخلق دور نشيط للجمعية في كافة مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والرياضية ، ومن هنا بدأ اسم الجمعية يتردد في جميع الأوساط ، ووقف من وقف معها ، أو ضدها كل حسب مصلحته وفكره واتجاهاته..

 

ورغم أن دوري انتهى هنا وتوقف بعد الانتقال من المقر القديم في بنيد القار إلى المقر المؤقت في منطقة المنصورية ـ وذلك بسبب سفري إلى الولايات المتحدة للدراسة ـ ، إلا أن المسيرة الخيرة استمرت وبجهود المخلصين من أبناء الجمعية والأجيال التي نشأت وترعرعت في محيط الجمعية ، وتسلمت راية العمل المخلص لما فيه رضا الله سبحانه ، وخير الكويت وأبنائه..

 

وقد كان المرحوم أبومصعب من القيادات النشطة التي استمرت لسنوات في العمل الجاد والمثمر ولم يدخل الملل أو الكسل أو التراجع في نفسه وذلك إيمانا منه بأهمية دوره ، وإخلاصه في ما كان يقدمه أو يقوم به .

 

أذكر أني كنت اسميه ـ وزير الداخلية ـ بدلا من المدير الداخلي للجمعية ـ ، وكلما كنا نواجه مشكلة بحاجة إلى من يقف بصلابة فكرية وأحيانا ـ جسدية ـ كنت أستعين به ، وكان نعم العون ، حتى أنه وفي بداية مسؤولياتي كأمين سر لاحظت أن مجموعة قليلة من الشباب ـ الغير ملتزم ـ قد تعودوا قضاء أوقات الظهيرة أو بعد الظهر بالجمعية تحت ستار الرياضة ، ولم أكن مرتاحا لهذا الوضع ، وحين عرضت المشكلة على ـ وزير داخلية الجمعية ـ قال : اطمئن يا سيد كلها أيام وسوف أنهي هذه المشكلة.. وكان ذلك بالفعل.

 

لهذا لن أنسى له دوره في عملية الانتقال من بنيد القار إلى المنصورية ، فقد كان ـ رحمه الله تعالى ـ أمينا ، كتوما للأسرار ـ فحين فاتحته بموضوع انتقال المقر، وضرورة ابقاء الموضوع سراً بيننا ـ خوفا من الضغوط والعراقيل التي كانت سوف تواجهنا ، وبالتالي إفشال عملية الانتقال ، كان بالفعل أمينا بل وعونا كبيراً ، حيث بدأ من يومه في الاعداد والتخطيط ، وكانت مشكلتنا هي ـ المكتبة ـ والتي اضطررنا أن نخطر أخينا الكريم أمين المكتبة ـ أبو يحيى ـ بموضوع النقل ، وكان هو أيضا أمينا على السر ، فكان يأتي يومياً أثناء النهار ويقوم بوضع الكتب في كراتين معدة للنقل ، وفي المساء يقفل المكتبة ويضع إعلانا ـ المكتبة مغلقة للجرد السنوي ـ وكانت الفكرة أن يتم تحميل كافة محتويات الجمعية خلال ساعتين من المقر القديم إلى الجديد على أن يكون ذلك في الصباح الباكر.. وتم تحديد يوم التنفيذ وفي تمام الساعة السادسة صباحا كانت خمس سيارات نقل واقفة أمام المقر ومعها حوالي عشرة عمال ، وعند الساعة السابعة والنصف صباحا كانت الجمعية خاوية تماما ، والسيارات كانت في طريقها إلى المقر الجديد ، كل ذلك تم بجهود وإشراف المرحوم أبومصعب..

 

ومن تواضعه وحسن خلقه، أني حين كنت أودعه قبل سفري للدراسة كان يشكرني ويتمنى لي التوفيق وكأني أنا الذي قمت بالعمل كله ، في حين أنه هو الذي تحمل العبء والمجهود والتنفيذ كله ، وكان يقول مازحا :

تريد ترك وزير الداخلية لوحده يواجه العاصفة القادمة.. ؟

فقلت له أنت قادر بإذن الله تعالى مواجهة العاصفة بل ومواجهة الطوفان ..

وقبل أشهر من رحيله إلى جوار ربه، قابلته في مجمع الوزارات فقلت له مازحا كعادتي معه: كيف حال وزير الداخلية ؟

فقال مبتسماً: بحاجة الى وزير صحة !!

يقول ذلك اشارة الى سوء حالته الصحية آنذاك ..

رحمك الله يا أبا مصعب وجزاك الله خير الجزاء ، فقد أعطيت ومن ينكر عطاءك فليس بمنصف..



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: