سيد جابر بهبهاني - 18/06/2022م - 4:50 م | عدد القراء: 5691
بلا شك أن إعمار بيوت الله عموماً مهما صغر حجمها يعد من الباقيات الصالحات في ميزان أعمال من يقوم بها، وهي صفة من صفات الشخصية المؤمنة، والبناء هي مرحلة من مراحل الإعمار وقد خصتها الأحاديث النبوية بالأجر العظيم منها "من بنى مسجداً لله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة". وقد جبل أهل الكويت منذ نشأتها على التبرع لبناء مساجد الله، إما منفردين، كأن يتبرع شخص واحد بالأرض والبناء، أو مشتركين من خلال قيام مجموعة بالتبرع بالأرض وتكاليف ومواد البناء. واستمر بناء المساجد بهذه الطريقة إلى أن تأسست دولة الكويت الحديثة فأصبح بناء المساجد وتحديد مواقعها وشئون وقفها من مهام وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فعند تنظيم كل منطقة جديدة تخصص في مخططها مواقع لبناء المساجد، وفي حالة نفاذ هذه المواقع في المنطقة مع وجود طلبات لمتبرعين لبناء مساجد فيها تخصص لها مواقع في الساحات الخالية، وتقوم وزارة الأوقاف بالبناء أو يتبرع أحد المحسنين بذلك تحت اشراف الوزارة وحسب اشتراطاتها. من المشاريع الخيرية الكثيرة التي أنجزها المرحوم العم حمزة مقامس، بناء مسجد في منطقة الرميثية حمله سمي اسمه "مسجد حمزة مقامس" ، وكان لهذا المشروع مكانة خاصة في وجدانه، وذلك أولاً لما لبناء المسجد من أجر عظيم عند الله ولأنه ومن الصدقات الجارية، وثانياً لأنه أنجزه من حين تقديم الطلب إلى بناؤه وافتتاحه الذي طال ما يقارب الأربعة عشر عاماً بجهوده وماله الخاص، وثالثاً لوجود المسجد في وطنه الكويت مما يمكنه من التردد عليه يومياً للصلاة ولمتابعة شئونه وإدارته والعناية به. مسجد النقي في وجدان المرحوم العم حمزة مقامس: مسجد النقي وهو أول مسجد يبنى خارج السور تأسس 1959م وتم افتتاحه عام 1967م، وقد تبرع ببنائه الأخوان المرحومان موسى وعبدالوهاب النقي على أرض خصصتها الحكومة بواسطة المرحوم يوسف بهبهاني (شيرين) لهذا الغرض في منطقة الدسمة (كانت تسمى منطقة واو) رحمهم الله تعالى جميعاً وتقبل أعمالهم، كما تبرع العم المرحوم حمزة بفرش مسجد النقي بسجاد إيراني. والمرحوم العم حمزة مقامس كان من أوائل رواد مسجد النقي، حيث التزم بأداء فريضتي المغرب والعشاء من كل يوم، علاوة على صلاتي الظهرين من يوم الجمعة، ولم يترك هذا الالتزام إلا بعد أن افتتح مسجده، وكانت تربطه صلة قرابة بالأخوين النقي بالإضافة إلى تجاور محلاتهم التجارية الواقعة في سوق الجت، ولهذا كان على الاطلاع عن كثب على مراحل بناء مسجد النقي، وخصوصاً بلحاظ قرب منزله من المسجد، كل هذا حرك رغبة كامنه في مشاعره وشجعه على السعي لتحقيق هذه الرغبة، آملاً أن يكون لله فيه رضا، وللمؤمنين والمجتمع فيه الخير والصلاح. تقديم طلب لتخصيص موقع لبناء المسجد بعد عقد العزم والتوكل على الله تقدم المرحوم العم حمزة بطلب لوزارة الأوقاف لبناء مسجد في ضاحية عبدالله السالم حيث كان يسكن، كان هذا في عام 1970م، اي بعد افتتاح مسجد النقي بثلاثة أعوام، ولما رفضت الوزارة طلبه متعذرة بعدم وجود مواقع مخصصة لبناء مسجد، أبدى استعداده لشراء قطعة أرض يخصصها لهذا الغرض من جيبه الخاص وقد عين الأرض، ولكن الوزارة رفضت ذلك أيضاً بلحاظ أن الأرض سكنية ولا تتوافر فيها المواصفات الخاصة ببناء المساجد. ولهذا اختار المرحوم العم حمزة منطقة الرميثية التي تأسست عام 1960م بديلاً لبناء المسجد، وذلك لخلو المنطقة من مسجد مخصص للمواطنين الشيعة على الرغم من كثافة وجودهم، وكان أقرب مسجد لهم هو مسجد الإمام زين العابدين عليه السلام في منطقة السالمية الذي تأسس عام 1972م، وقد وافقت وزارة الأوقاف على الطلب وتقدم بطلب لبلدية الكويت لتخصيص موقع من الساحات الخالية في الرميثية لبناء المسجد عليه. تخصيص موقع المسجد في الرميثية وبعد التي واللتيا، وتبادل المراسلات بين الأوقاف والبلدية، تم تخصيص موقع في منطقة الرميثية قطعة 2 لبناء المسجد، وذلك في عام 1977م، وبعد أن أخذ المرحوم العم حمزة الموافقة على مخططات وترخيص البناء، شرع في التنفيذ، وعند بلوغ التنفيذ مرحلة صب الأساسات طلبت الوزارة وقف التنفيذ بناء على عريضة مقدمة من بعض جيران المسجد اعتراضاً على بناءه، وتكرر هذا الموضوع مرة أخرى في الموقع البديل الذي كان في قطعة 4، وفي نفس مرحلة البناء، وفي لقاء جمع العم حمزة مع أحد المسؤولين في الوزارة عندما برر له وقف التنفيذ (علشان لا يصير مشاكل) رد عليه المرحوم (احنا مواطنين حالنا حالكم أنتوا عندكم 13 مسجد في الرميثية وما عارضنا ولا سوينا مشاكل، ليش هالتفرقة ؟!) ، وتزامن مع هذه العرقلة، عرقلة أخرى لبناء مسجد المرحوم عبدالصمد معرفي في منطقة سلوى، وبنفس المبرر، وتم وقف تنفيذ البناء بعد أن تم تنفيذ ثلثه، ولم يحل موضوع المسجدين، مقامس في الرميثية، ومعرفي في سلوى إلا بتدخل من المغفور له أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله الذي أمر بتخصيص الموقع الحالي كبديل لمسجد معرفي وبمساحة 5000 م2 بعد أن كان 3000 م2، و بتخصيص موقعين في الرميثية، الأول في قطعة 9 خلف محطة البنزين، والثاني في قطعة 10، على أن يختار المرحوم العم حمزة أحدهما فاختار الموقع الحالي بمساحة 3000 م2 ، بالإضافة الى 500م2 بجانب المسجد لبيت الإمام والمؤذن، ويقول العم المرحوم حمزة (كل تأخيرة فيها خيرة لأن الموقع الحالي هو الأفضل مقارنة بكل المواقع السابقة) . بدأ بناء المسجد وافتتاحه وهكذا بدأ البناء في عام 1981م، أي بعد أحد عشر سنة من تقديم الطلب، بذل خلالها المرحوم العم حمزة جهوداً مضنية في المتابعة، واكتمل البناء وتم افتتاحه في عام 1984م، وقد تكفل المرحوم بكل تكاليف بناء وتجهيز المسجد، وبمصروفاته الشهرية، من صيانة وترميم وغيرها منذ افتتاحه إلى يومنا هذا، نسأل الله له قبول الأعمال، وأن تكون في ميزان حسناته. ومسجد مقامس هو أول مسجد يخصص من ضمن تصميمه مصلى للنساء في الدور الأول على شكل بلكونة بمساحة 50 م2 تطل على مصلى الرجال، وكذلك يمتاز بالشبابيك العالية التي تسمح بضوء النهار بالدخول للمصلى، وتغني عن الإضاءة الكهربائية، أي أنه مسجد صديق للبيئة، واستفادت وزارة الأوقاف من هذه الطريقة في تصميم الشبابيك للمساجد المستحدثة لاحقاً وبدأت توصي به لمن يريد بناء مسجد، وتبلغ مساحة مصلى الرجال 600 م2، وكذلك يشتمل البناء على ديوانية بمساحة 210 م2. كما تكفل العم المرحوم حمزة ببناء بيتين أحدهم لإمام المسجد والآخر للمؤذن وتكفل بمصاريف صيانتهما. عند افتتاح المسجد عين المرحوم العم مقامس سماحة الشيخ نجم الدين الطبرسي حفظه الله لإمامة الجماعة في المسجد، واستمر سماحته ما يقارب أربعة وثلاثون عاماً كإمام جماعة في المسجد إلى أن حال وضعه الصحي دون الاستمرار، نسأل الله له الصحة والعافية. أصدر المرحوم العم حمزة مقامس حجية وقف المسجد بتاريخ 8/6 /1987م وبموجب هذه الحجية صار هو المتولي، وأعطى لنفسه الحق في تعيين المتولي الذي يخلفه، وهكذا المتولي هو الذي يعين المتولي الذي يخلفه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكذلك بموجب الحجية، أوقف بيتي الإمام والمؤذن وقفاً لمصلحة المسجد تحت ولاية المتولي. تسمية المسجد باسم حمزة مقامس وفي وقتها أثيرت في ذلك على المرحوم العم حمزة تساؤلات حول تسمية المسجد باسمه، وكان جواب العم حمزة (علشان المؤمنين يتذكروني بعد مماتي ويدعوا لي بالخير)، وردي الشخصي على هذه التساؤلات أن من المفترض أن تكرم مثل هذه الشخصيات والرموز الوازنة من الذين لهم دور في خدمة المجتمع ليكونوا قدوة للأجيال القادمة، ولئلا تنسى ويمحى دورها في التاريخ، وأحد أشكال هذا التكريم هو تسمية شوارع ومؤسسات حكومية وأهلية بأسماء شخصيات كان لها دور في المجتمع. ناهيك عن أن تسمية المساجد بأسماء شخصيات، ليس بدعاً، وله مثيل في جميع بقاع العالم الإسلامي، وأول مسجد للشيعة في الكويت بني فيها هو مسجد الصحاف الذي تأسس عام 1843م، وبعده مسجد البحارنة الذي تأسس في 1861م وقد أسسه مجموعة من إخواننا البحارنة ولهذا سمي بهذا الإسم، وكذلك مسجد المزيدي الذي تأسس عام 1883م، وقد سمي بإسم مؤسسة الشيخ محمد المزيدي رحمه الله. المرحوم العم حمزة مقامس والدور الرسالي: كان للعم حمزة طموح لإحياء المسجد بمختلف الأنشطة العبادية والثقافية والتربوية، بدأها بدروس تربوية للشباب أقامها سماحة الشيخ علي حسن غلوم حفظه الله، ولكنها توقفت ولم تستمر لبعض الظروف القاهرة، كما أقيمت فيها حسينية للبراعم في أول عشرة محرم الحرام، وهي الأولى من نوعها استخدم فيها سماحة الشيخ علي حسن غلوم حفظه الله الوسائل المرئية والتكنولوجية للشرح والتعليم، واستمرت هذه الحسينية لمدة خمسة أعوام، وكان هذا النشاط بموافقة المرحوم العم حمزة وبدعمه المادي والمعنوي. لكن في هذه الأجواء، واجه المرحوم عدة عراقيل وتحديات هضمت حقه الشرعي كمتولي في الاستمرار في اقامة هذه الأنشطة، وغبنت مكانته الاجتماعية كشخصية متدينة ومحبة للخير، ولم تقدر الجهود التي بذلها في تأسيس المسجد وبنائه على نفقته الخاصة، وكذلك تحمله نفقات صيانته وترميمه، واستمر من واقع احساسه العميق بالمسئولية في تحمل ذلك كله، ولكن قبل وفاته بعامين عاد له هذا الحق واتفق مع سماحة الشيخ محمد جمعة على أن يكون إمام الجماعة في المسجد، وفتح لسماحته المجال لإعمار المسجد بالأنشطة التربوية والثقافية، نسأل الله له التوفيق والسداد للقيام بهذه المهمة. توثيق هذا المشروع: باقتراح من أخي العزيز سيد رضا الطبطبائي لتوثيق تأسيس مسجد حمزة مقامس، أجريت لقاء مع المرحوم العم حمزة مقامس قبل أن تحل بنا جائحة كورونا بأسابيع، فحدثني عن تفاصيل تأسيس المسجد وإدارته، والتي قد عايشت بعضاً منها، ووثقت هذه التفاصيل في هذه المقالة على أن أراجعها مع المرحوم ومن ثم تنشر، ولكن الظروف التي عاشتها الكويت نتيجة جائحة كورونا حالت دون ذلك، وبوفاته تجدد العزم لإتمام ما بدأت حتى لا تذهب تلك الجهود طي النسيان، ولتكون درساً وأسوة للأجيال القادمة في اعمار بيوت الله، وكما يقال "زرعوا فحصدنا ونزرع فيحصدون". نسأل الله المغفرة والرحمة والقبول للمرحوم العم حمزة مقامس، وأن يكون كل ما قدمه من خير في حياته من الباقيات الصالحات في ميزان أعماله.
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «1» |
حفظكم الله
المقال بحق المرحوم حمزة مقامس رحمه الله جدا مميز وهو يستحق هذه العبارات واكثر
ويشمل هذا النوع من العمل الصالح كل متولي مسجد ولجانه وعامليه وفعلا العمل بخدمة المؤمنين من افضل الاعمال الصالحة
ونحن كمترددين للمسجد للصلاة بهذه الاماكن العبادية قد يكون عملنا قليل جدا لا يُذكر ونشكر كل المتولين للمساجد و العاملين جهودهم المميزة في رفع كلمة الاسلام والحفاظ عليها
ان شاء الله بيوت المتولين والعاملين بها بالجنة
نظرا لجهودهم المميزة في الدنيا
اللهم صل على محمد وال محمد
عادل محمد العلي