فيسبوكواتسابتويترابلاندرويدانستجراميوتيوب





سيد رضا الطبطبائي - 05/07/2017م - 12:22 ص | عدد القراء: 2126


تمر علينا الذكرى السابعة لرحيل المرجع القائد العلامة المجاهد، عملاق الفكر الإسلامي، وشيخ المفكرين الإسلاميين، وقامة فريدة من قامات التنظير الإسلامي، سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، طيب الله تعالى ثراه، وجعله في أعلى عليين وفي مقعد صدق مع الأنبياء والمرسلين، والأئمة المعصومين، وفي روح وريحان وجنة نعيم.

عرفناه فقيهاً منفتحاً، وعالماً متميزاَ، وخطيباً بارعاً، ومفكراً أصيلاً، وأديباً بلغ من البلاغة والفصاحة، مالم يبلغه كثير من أقرانه، كما أثرى سماحته ساحتنا الإسلامية والإيمانية بفكره المميز، وعطاءه الفريد، وطرحه الجديد، وثقافته الأصيلة، ومواقفه الصلبة، وأطروحاته العملية، وبعده عن التحجر، وتصديه للخرافات التي ملأت ساحتنا الإسلامية، بسبب ما كان يطرحه رموز التخلف، ودعاة التقوقع، ورواد الانغلاق.

ولا أستطيع في هذه العجالة، أن أتطرق حتى بشيء مختصر جداً عما قدمه لنا الراحل عنا بجسده، والخالد معنا في فكره وعطاءه وأطروحاته.

نظرة سريعة لتفسيره للقرآن الكريم (من وحي القرآن) وشرحه للصحيفة السجادية (آفاق الروح) وعشرات الكتب التي ألفها سماحته كأسلوب الدعوة في القرآن، والإسلام ومنطق القوة، والحوار في القرآن الكريم، وخطوات على طريق الإسلام، والحركة الإسلامية هموم وقضايا، وقضايانا على ضوء الإسلام، ودنيا المرأة، والإسلاميون والتحديات المعاصرة، والزهراء (ع) القدوة، وفي رحاب أهل البيت (ع) ، والجمعة منبر ومحراب، وموسوعة الندوة، وعشرات الكتب الأخرى، التي شملت وتطرقت للمواضيع الرئيسية في حياتنا العقائدية والاجتماعية والفكرية والسياسية والدعوية والرسالية.. إلخ، نعم نظرة سريعة وعميقة لما كتبه مرجعنا الراحل، وكذلك ما تركه لنا من إرث عظيم لخطبه ومحاضراته ولقاءاته وندواته المختلفة، والتي كان يهدف من خلالها لتربية جيل رسالي مثقف بفكر إسلامي أصيل صلب من جانب، ومتصد لما يثيره أعداء الإسلام والمسلمين وكشف ما يقومون به من مؤامرات وما يضعونه من خطط لإضعاف المسلمين ومصادرة كل أسباب قوتهم ومواضع العظمة لديهم وجعلهم أمة تابعة فاقدة لكل مصادر العزة والاستقلال.

ولعمري يقف المرء عاجزاً ومتحيراً أمام عطائه الذي شمل واستوعب الكثير من المجالات والأنشطة والمشاريع، مدعمة بالمواقف الصلبة التي كان يصرح بها بكل قوة وفي أحلك الظروف وأشد المحن.

من أين نبدأ، من مواقفه الصلبة وتأييده للثورة الإسلامية المباركة ولمفجرها المظفر وقائدها المسدد، أم للنظام الإسلامي وللجمهورية الإسلامية وقادتها، أم لدعمه المطلق للمقاومة الإسلامية حتى بات معروفاً بأنه الأب الروحي لها، وما عسانا أن نذكر عن تبنيه لقضايا الإسلام والمسلمين وخاصة القضية المركزية والرئيسية أي القضية الفلسطينية، وهل يمكن لأحد أن ينسى تصديه بكل قوة للإستكبار العالمي والصهيونية الدولية، وتحذيره الدائم والمستمر لعدم الانجرار وراء مؤامراتهم المتنوعة، وخططهم المشبوهة.

وهل هناك من يستطيع أن يرشدنا إلى فقيه أو عالم تصدى مثله للطرح الخرافي وللبدع والغلو الذي ملأ ساحتنا الإسلامية وتغلغل في مجتمعاتنا الإيمانية، وكان أيضاً مما يتميز به طرحه الوحدوي والتركيز على وحدة المسلمين، وعدم اشغال الساحة بالخلافات المذهبية والطرح الطائفي، والمساس برموز الآخرين، والذي يؤدي إلى تمزيق المسلمين والنيل من وحدتهم وأضعافهم أمام اعداءهم وجعلهم لقمة سائغة لمطامعهم مستهدياً هدي القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام.

وأما ما قام به من مشاريع مختلفة من دور للأيتام وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، والمساجد والمدارس والمعاهد وغيرها فمعروفة للجميع،

وأما في مجال تربية الشباب وهو ما كان يتميز به منذ أيامه الأولى، فكان يطرح الإسلام الملتزم والعقيدة النقية، والسلوك الإيماني، والمقاومة المنفتحة والوحدوية، نعم إسلام التضحية وإسلام العطاء وإسلام المقاومة وإسلام التصدي للأعداء وإسلام العمل والجهاد حتى بات معروفاً بمقولته الشهيرة بأن المؤمن يجب أن يكون في حالة طوارئ دائمة، لا يكل ولا يمل، وكان ما يتميز به أيضا اهتمامه بالمرأة وحقوقها وواجباتها وموقف الرجل منها ووجوب حسن معاملته لها لأنها جزء من المجتمع ولا يقل عطاءها عن عطاء الرجل إن لم يكن أكثر وأهم.

وأما عطاءه للحركة الإسلامية الواعية فقد كان لها الأب النصوح والوالد الحنون والسراج المنير، والمنظر الأصيل، والمفكر المستوعب لكل قضايا العمل والعاملين.

نعم لم يكن مرجعنا الراحل يعيش يومه فقط ولكن كان له دور رسالي يقوم به، بحيث كان يضع في اعتباره ذلك في كل حركاته وسكناته، وأقواله وأفعاله، لأنها رسالة الأنبياء والرسل والمعصومين عليهم السلام، وكم كان بعض الأخوة يطلب منه تخفيف حدة الهجوم على مسببي الحرب الظالمة، التي شنها صدام على الجمهورية الإسلامية في أيامها الأولى، بذريعة الحفاظ على حياته، وحاجة الساحة إليه، وخاصة في مثل تلك الظروف الصعبة والحرجة والاستثنائية، فكان يأتي الرد بأن الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه أصبح وحيداً، وأن الجمهورية الإسلامية باتت محاصرة، وأن الحرب قد فرضت عليها زوراً وبهتاناً للقضاء عليها، وأنني أرى ذلك من واجبي الشرعي، حتى ولو كلفني حياتي.

أكتفي بهذا القدر للإنتقال إلى جوانب أخرى من شخصيته، فقد كنا نناقشه في كثير من الأمور وقد نختلف مع سماحته فكان يستمع إلينا بقلبه المنفتح وصدره المنشرح وابتسامته المميزة، وردوده المنطقية، وعندما كان يحس بأن الحوار والنقاش سوف يؤدي إلى الجدال، كان يقول بكل تواضع - والذي لا نراه في الأغلبية الساحقة من العلماء - أحترم رأيكم وأطلب ذلك منكم أيضاً فأنا إنسان مثلكم أيضاً، حيث كنا نتحاور معه ونناقشه أثناء الحرب الصدامية المفروضة على الجمهورية الإسلامية المباركة والفتية وكنا نخالف سماحته الرأي ولكن الأيام والأحداث أثبتت لنا صحة توقعاته بعد أن وضعت الحرب أوزارها.

وعندما كانت تعد الولايات المتحدة الأمريكية العدة لإزاحة الطاغية صدام وحزبه من الحكم في العراق كنا نقول بأنها تعد العدة لتحرير الشعب العراقي منه، ولكنه كان يرد علينا بأن أمريكا جاءت لتدمير وتخريب العراق، وفعلاً أثبتت الأيام ذلك، وما نراه الآن بأن الغرض الأصلي للحرب على العراق لم يكن تحرير شعبه من الطاغية صدام ونظامه الدموي الاستبدادي القمعي بل سعوا دائماً وعملوا لتحطيم الروح المعنوية والإمكانات المادية للأمة الإسلامية.

وكذلك أشير هنا إلى أن المرحوم الأستاذ محمد حسنين هيكل كان يقول أنه عندما كان يريد زيارة الشام، كان يسعى للقاء الرئيس حافظ الأسد في دمشق، والسيد محمد حسين فضل الله، ويقول عن لقاءه بمرجعنا الراحل، أنه فوجئ بإطلاعه وقراءته لكل كتبه وأنه يبدي ملاحظاته عليها وخاصة الكتب التي نشرها عن الحروب مع العدو الصهيوني الغاصب، مضيفاً أنه كان يناقشه في تفاصيلها وكأنه قرأها للتو، ولم يكن يتصور بأن عالم دين يهتم بمثل هذه الأمور، وعندما سأل أحدهم الكاتب الشهير عن رحلته إلى لبنان ومدى استفادته، أجاب بأنه يشعر بأن الجميع الذين التقى بهم قد استفادوا منه، وأن الوحيد الذي هو استفاد منه هو السيد فضل الله.

وفي لقاء لسفير فرنسا مع مرجعنا الراحل، سأله البعض عن انطباعه حول اللقاء أجاب بأن السيد فضل الله ليس مفكراَ إسلاميا بل مفكراً إنسانياً وللبشرية جمعاء.

وفي لقاء لبعض طلبة جامعة الكويت والذين قاموا بزيارة لبنان مع أساتذتهم والتقوا بعدد كبير من علماء لبنان، طلبوا زيارة أحد علماء المسلمين الشيعة وملاقاته ومحاورته، فقام أحد الأستاذة بطلب موعد من مكتب السيد فضل الله للقاء، لفترة عشرون دقيقة، وتم ذلك واستمر لمدة ساعتين، ولم ينفض اللقاء إلا بعد أن ظهر التعب على السيد والتي لم تكن حالته الصحية على ما يرام فطلب الأساتذة انهاءه نظراً للظروف الصحية للسيد، وقد أبدى الطلبة اعجابهم بما كان يطرحه، وقال البعض منهم أن الجماعة كانوا يحدثونا عن ضحالة فكر علماء المسلمين الشيعة، وعدم اطلاعهم على مجريات الأمور، ولكن تبين لنا عكس ذلك.

ويجدر بنا أن نتطرق إلى أمر بسيط، ولكن ذو معنى كبير، ففي يوم من الأيام كان المرجع الراحل يهم بالإستقرار في محراب مسجد الإمام الرضا (ع) الذي كان يؤم المصلين فيه في بئر العبد، فاستوقفه أحد الشيبه، وقال له سيدنا لو تطلب من مسؤول المسجد أن يخرج ذلك الشاب وهو يشير إليه من بعيد من المسجد لأن ملابسه لا تليق بقدسية المكان (وفعلاً كان الشاب يلبس الفانيلة العادية ونصف بنطلون) فابتسم السيد وقال أنه من رجال المستقبل.

كما روى لي أحد السادة الأفاضل، بأنه كان حاضرا في جلسة حواربين السيد فضل الله رضوان الله تعالى عليه وبين أحد العلماء المسيحيين حيث دار النقاش بينهم لفترة غير قليلة، وكان يطرح على السيد كثير من الأسئلة ووجهة نظر الإسلام فيها، وكانت الأسئلة تشمل جميع الجوانب والمواضيع المطروحة على الساحة الإسلامية، وكان السيد يقوم بالرد عليها بكل هدوء واقتدار، وفي آخر اللقاء قال له العالم المسيحي، أن اجاباتكم مقنعة وواضحة ومعقولة، ولكنني لا زلت أتساءل وأتعجب من موقفكم من زواج المسيحي من المسلمة ورفض الإسلام لذلك مع أننا نحن في ديننا يجوز للمسيحي أن يتزوج المسلمة ؟ فأجابه السيد سبب ذلك بأننا نعترف كمسلمين وكإسلام بعيسى عليه السلام كنبي ورسول، لذلك نجوز زواج المسلم من المسيحية وأما أنتم لا تعترفون بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم كنبي ورسول وعليكم الاعتراف به بذلك حتى نأذن بزواج المسيحي من المسلمة، ويقول السيد الفاضل بأن العالم المسيحي لم يعلق وقام من المجلس وودع السيد بكل احترام واجلال وغادر المكان بدون تعليق، ويضيف السيد الفاضل بأنني وبعد مغادرة الأول قلت للسيد فضل الله هذه هي المرة الأولى التي أسمع بها مثل هذا الرد ولم أسمعه من أي عالم أو شخص آخر، فأجابني بأنه هو أيضاً لم يكن محضراً لمثل هذا الجواب من قبل، ولكنه جرى على لسانه، وانطلقت الكلمات من فمه وبدون إرادته، ويعلق السيد الفاضل بأن ذلك جواباً لطيفاً لمثل هذا الإشكال.

ومن ذكرياتنا أيضاً عندما كان سماحة السيد يرافق حملة التوحيد الكويتية للحج، وكان ذلك في سنوات عديدة، وكان المشرف العام للحملة يطلب منه برنامجه الخاص ومواعيد لقاءاته مع الذين يودون لقاءه وأيضاً ذهابه إلى الحرم الشريف، فكان يرد عليهم وبكل تواضع، بأن عليكم وضع برنامج الحملة وأنه سوف يلتزم بذلك (حاله حال الحجاج) ، ولم يكن سماحته ليتجاوز البرنامج العام للحملة طوال سنوات إلتحاقه بالحملة، وكانت هذه أيضاً سياسته عندما كان يحضر المؤتمر السنوي للجماعة الإسلامية في أمريكا وكندا.

ومن طرائف ما أذكره، بأن في احدى المرات ونحن مع حملة التوحيد حمل أحد الأخوة العاملين في الحملة بعض الملابس النظيفة والمرتبة لي قائلا بأن (أم حسين تقول بأن هذه ملابس السيد (أم حسين زوجتي) ، شكرته ووضعت الملابس في حقيبتي الخاصة ولم أكن بحاجة للبسها واستعمالها، ولكنني بعد إنتهاء موسم الحج ورجوعنا إلى الكويت وإفراغ الحقيبة من محتوياتها تنبهت أنها لا تخصني ولم أعهد بأنني في يوم من الأيام كنت أرتديها لأنها في الواقع كانت أوسع من ملابسي العادية وبقياسات مختلفة ، فكرت كثيراً من الذي أحضر الملابس، وسألت زوجتي بأن أحدهم أحضر لي بعض الملابس وقال لي أن هذه من أم حسين والآن اكتشفت أنها ليست لي، وبدأنا التحريات لمعرفة من قام بإحضار الملابس لي، أو مَن مِن الأخوات العاملات بالحملة أرسلتها وبواسطة من أو من منهن على الأقل قامت بغسلها وتنظيفها، وكنت بعد ذلك أسأل الأخوة العاملين في الحملة إذا كان أحدهم فقد ملابس له خلال أخر رحلة للحملة فكان الجواب يأتي بالنفي، واستمر الحال كذلك على ما أتذكر لسنوات ثلاث وفي كل موسم للحج كنت أحاول معرفة صاحب الملابس، ولكن الجهود كلها باءت بالفشل، طبعا الملابس بقت على حالها، وكنت أحضرها معي إلى الحج وإلى الكويت، وفي يوم من الأيام قالت لي أم حسين (خل أشوف الملابس) عندها قالت بأنها (مو قياسك أبداً) فوضعناها بعد ذلك في الكيس الخاص بها، وبعد فترة قالت لي أظن الذي أحضر لك الملابس يقصد سماحة السيد فضل الله لا أنت، قلت فعلاً لكنني لم أنتبه لذلك، وفعلاً كانت الأخوات العاملات في الحملة يقمن بتنظيف ملابس السيد وكييها، وعلى كل أحضرت الملابس بعد هذه السنوات إلى الحج وسلمتها لسماحته بعد أن شرحت قصتها فشكرنا وقال (هذا رزق من حيث لم نحتسبه) .

وأخيرا ماذا أستطيع أن أكتب أو أسرد عن شخصية نادرة على مستوى الحوزات العلمية، قدمت الكثير الكثير للأمة وعلى مر السنين، والحمد لله هناك الكثير من الكتاب سطروا عدداً من الكتب عن شخصيته سماحته، وتناولوا فكره وثقافته وسياسته وكثير من محطات حياته، وتطلعاته وفلسفته في الحياة.

كما لا ننسى أيضا أن مؤسساته قامت بتوثيق أعماله على جميع المستويات وإن كانت هناك أيضا ثروة كبيرة من فكره ودروسه الفقهية لم ترى النور بعد، ومما يثلج الصدر ويريح القلب أنه وخلال زيارتنا للمركز الإسلامي الثقافي في النجف الأشرف علمنا بأن هناك حوالي خمسة عشر رسالة في الماجستير والدكتوراه يتم اعدادها من بعض طلبة الجامعة تتناول فكره وشخصيته وكتاباته، وتراثه المتنوع.

وفي الختام أستطيع أن أعبر عن فقدانه، وغيابه عن الساحة في مثل هذه الظروف الاستثنائية، وما وصلت إليها حال الأمة من تمزق وضعف وهوان وجهل وفقر واقتتال وتشريد وتدمير للمدن، إلا أن أتمثل بقول الشاعر (وفي الليلة الظلماءِ يفتقدُ البدر) .



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:

عدد الأحرف المتبقية: